فضل الدعاء
حكم الدعاء وفوائده
أنواع الدعاء
شروط الدعاء وواجباته
آداب الدعاء ومستحباته
أحوال يكون الدعاء فيها مستجابآ
أخطاء ومكروهات الدعاء
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وبسم الله نبدا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فضل الدعاء[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لقد ورد في فصل الدعاء وأهميته آيات كريمة وأحاديث نبوية كثيرة، فمن فضائله العظيمة التي دلَّ عليها الكتاب والسنة:
قال الخطابي: "معناه أنه معظم العبادة، وأفضل العبادة، كقولهم: الناس بنو
تميم، والمال الإبل، يريدون أنهم أفضل الناس أو أكثرهم عددا أو ما أشبه
ذلك، وأن الإبل أفضل أنواع الأموال وأنبلها" - شأن الدعاء (ص5).
قال المباركفوري: "أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة؛
لدلالته على الإقبال على الله, والإعراض عما سواه، بحيث لا يرجو ولا يخاف
إلا إياه" - تحفة الأحوذي (8/247).
قال الشوكاني: "قيل: وجه ذلك أنه يدل على قدرة الله تعالى وعجز الداعي،
والأولى أن يقال: إن الدعاء لما كان هو العبادة, وكان مخ العبادة كما
تقدم، كان أكرم على الله من هذه الحيثية؛ لأن العبادة هي التي خلق الله
سبحانه الخلق لها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ
إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]" - تحفة الذاكرين (ص30).
قال ابن القيم: "وهذا القرب من الداعي قرب خاص، ليس قربا عاما من كل أحد،
فهو قريب من داعيه، وقريب من عابده، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد،
وهو أخص من قرب الإنابة وقرب الإجابة الذي لم يثبت أكثر المتكلمين سواه،
بل هو قرب خاص من الداعي والعابد" - بدائع الفوائد (3/8).
قال ابن حجر: "كلّ داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة؛ فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه" - الفتح (11/95).
قال المباركفوري: "قوله: ((من فتح له منكم باب الدعاء)) أي: بأن وفق لأن
يدعو الله كثيراً مع وجود شرائطه، وحصول آدابه، ((فتحت له أبواب الرحمة))
يعني أنه يجاب لمسئوله تارة، ويدفع عنه مِثله من السوء أخرى، كما في بعض
الروايات: ((فتحت له أبواب الإجابة)) وفي بعضها: (( فتحت له أبواب
الجنة))".
وقال في قوله: ((إن الدعاء ينفع مما نزل)): "أي من بلاء نزل بالرفع إن كان
معلقاً، وبالصبر إن كان محكماً؛ فيسهل عليه تحمل ما نزل به فيُصَبِّره
عليه أو يُرضيه به، حتى لا يكون في نزوله متمنياً خلاف ما كان، بل يتلذذ
بالبلاء كما يتلذذ أهل الدنيا بالنعماء، ((ومما لم ينزل)) أي: بأن يصرفه
عنه ويدفعه منه، أو يمدّه قبل النزول بتأييد من يخف معه أعباء ذلك إذا نزل
به، ((فعليكم عباد الله بالدعاء)) أي: إذا كان هذا شأن الدعاء فالزموا يا
عباد الله الدعاء" - تحفة الأحوذي (9/374).
قال ابن تيمية: "الذنوب تزول عقوباتها بأسباب... وتزول أيضا بدعاء
المؤمنين، كالصلاة عليه، وشفاعة الشفيع المطاع لمن شفع فيه" - مجموع
الفتاوى (10/330).
قال ابن تيمية: "من تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن ينزل بهم الشدة
والضر وما يلجئهم إلى توحيده، فيدعونه مخلصين له الدين، ويرجونه لا يرجون
أحدا سواه، وتتعلق قلوبهم به لا بغيره، فيحصل لهم من التوكل عليه والإنابة
إليه وحلاوة الإيمان وذوق طعمه والبراءة من الشرك، ما هو أعظم نعمة عليهم
من زوال المرض والخوف أو الجدب أو حصول اليسر وزوال العسر في المعيشة، فإن
ذلك لذَّات بدنية ونعم دنيوية، قد يحصل للكافر منها أعظم مما يحصل للمؤمن،
وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين لله الدين فأعظم من أن يعبر عن كنهه
مقال، أو يستحضر تفصيله بال، ولكل مؤمن من ذلك نصيب بقدر إيمانه، ولهذا
قال بعض السلف: يا ابن آدم، لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها من قرع باب
سيدك، وقال بعض الشيوخ: إنه ليكون لي إلى الله حاجة فأدعوه، فيفتح لي من
لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتي، خشيةَ أن
تنصرف نفسي عن ذلك، لأن النفس لا تريد إلا حظها، فإذا قضي انصرفت، وفي بعض
الإسرائيليات: يا ابن آدم، البلاء يجمع بيني وبينك، والعافية تجمع بينك
وبين نفسك" - مجموع الفتاوى (10/333-334).
قال الشوكاني: "فيه دليل على أنه سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد، وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة" - تحفة الذاكرين (ص29).
وقال: "والحاصل أن الدعاء من قدر الله عز وجل؛ فقد يقضي على عبده قضاء
مقيداً بأن لا يدعوه، فإذا دعاه اندفع عنه" - تحفة الذاكرين (ص30).
وقال المباركفوري: "القضاء هو الأمر المقدر، وتأويل الحديث أنه إن أراد
بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقاه، فإذا وُفق للدعاء
دفعه الله عنه، فتسميته قضاء مجاز على حسب ما يعتقده المتوقي عنه" - تحفة
الأحوذي (6/289).
وقال ابن القيم: "والصواب أن هذا المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء،
فلم يقدر مجرداً عن سببه، ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع
المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور، وهذا كما قدر الشبع والري
بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، وقدر خروج نفس
الحيوان بذبحه، وكذلك قدر دخول الجنة بالأعمال، ودخول النار بالأعمال" -
الجواب الكافي (ص16).
1- أن الله تعالى أثنى على أنبيائه به، فقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ
يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً
وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ} [الأنبياء:90]، فأثنى سبحانه عليهم بهذه
الأوصاف الثلاثة: المسارعة في الخيرات، ودعاؤه رغبة ورهبة، والخشوع له،
وبيَّن أنها هي السبب في تمكينهم ونصرتهم وإظهارهم على أعدائهم، ولو كان
شيء أبلغ في الثناء عليهم من هذه الأوصاف لذكره سبحانه وتعالى.
2- أنَّه سنَّة الأنبياء والمرسلين، ودأب الأولياء والصالحين، ووظيفة
المؤمنين المتواضعين، قال تعالى: {أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ
يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ
رَحْمَتَهُ وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57]، وقال سبحانه:
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا
خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ
يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ
رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ}
[السجدة:16-17]، وهو صفة من صفات عباد الرحمن، قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ
يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا
كَانَ غَرَاماً} إلى قوله: {وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا
مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا
لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:65-77]، وهو ميزة أولي الألباب، قال
تعالى: {إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ
وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لأوْلِى ٱلألْبَـٰبِ * ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ
ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى
خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً
سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} إلى قوله تعالى: {فَٱسْتَجَابَ
لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ
أَوْ أُنثَىٰ} [آل عمران:190-195].
3- أنه شأن من شؤون الملائكة الكرام، قال تعالى: {وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ
يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلأَرْضِ
أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [الشورى:5]، وقال تعالى:
{ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ
رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ
رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ
تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * رَبَّنَا
وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ
مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّـٰتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ
ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَقِهِمُ ٱلسَّيّئَـٰتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيّئَـٰتِ
يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ}
[غافر:7-9].
4- أنه من أفضل العبادات، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى
أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى
سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ} [غافر:60]، وعن النعمان بن بشير قال:
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))، ثم قرأ: {وَقَالَ
رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ...} - أخرجه أحمد (4/267)،
والترمذي (2969)، وأبو داود (1479)، وابن ماجه (3829)، وقال الترمذي: "حسن
صحيح"، وصححه ابن حبان (890) والحاكم (1/490، 491)، ووافقه الذهبي، وهو في
صحيح الجامع (3407).
5- أن الله تعالى سماه دينا فقال سبحانه: {فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ} [الأعراف:29].
6- أنه أكرم شيء على الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أكرم على الله عز وجل من
الدعاء)) - أخرجه أحمد (2/362)، والترمذي (3370)، وابن ماجه (3829)، وقال
الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن حبان (870)، والحاكم (1/490)، ووافقه
الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد(549).
7- أنَّ الله تعالى أمر به وحثَّ عليه، وكذلك رسوله الكريم صلى الله عليه
وسلم، قال تعالى: {وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ} [النساء:32]، وقال:
{وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وقال:
{فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ وَلَوْ كَرِهَ
ٱلْكَـٰفِرُونَ} [غافر:14]، وقال: {ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا
وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ} إلى قوله تعالى:
{وَٱدْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف:55-56]، وعن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يسألِ اللهَ يغضبْ عليه)) - أخرجه
أحمد (2/442)، والترمذي (3373)، وابن ماجه (3827)، وصححه الحاكم (1/491)،
ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (512).
8- أنَّ أهل الجنَّة به علَّلوا نجاتهم من عذاب النار فقالوا: {فَمَنَّ
ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَـٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِن
قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ} [الطور: 27-28].
9- أنَّ الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجالسَ ويلازمَ أهلَ
الدعاء، وأن لا يعدُوَهم إلى غيرهم بالنظر فضلا عمَّا هو فوقه، قال الله
تعالى: {وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم
بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ
عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ
أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ
فُرُطًا} [الكهف: 28].
10- أنَّ الله تعالى نهى عن الإساءة إلى أهل الدعاء، تشريفا وتكريما لهم
فقال: {وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ
وَٱلْعَشِىّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مّن شَىْء
وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مّن شَىْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ
ٱلظَّـٰلِمِينَ} [الأنعام: 52].
11- أن الله تعالى قريب من أهل الدعاء، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}
[البقرة:186]، وقد جاء في سبب نزولها أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ربنا قريب فنناجيه، أم
بعيد فنناديه؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية - انظر: تفسير الطبري (2/158).
12- أنَّ من لزم الدعاء فلن يدركه الشقاء، قال الله تعالى عن زكريَّا:
{وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيّاً} [مريم: 4]، وقال عن خليله
إبراهيم: {عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا} [مريم: 48].
13- أنَّه من صفات أهل الجنة في الجنة، قال تعالى: {دَعْوٰهُمْ فِيهَا
سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءاخِرُ
دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [يونس: 10].
14- أنَّ الدعاء كلَّه خير، فعن أبي سعيد رفعه: ((ما من مسلم يدعو بدعوة
ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلاَّ أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمَّا أن
يُعجِّل له دعوته، وإمَّا أن يدَّخرها له في الآخرة، وإمَّا أن يصرف عنه
من السوء مثلها)) - أخرجه أحمد (3/18)، والبخاري في الأدب المفرد (710)،
وصححه الحاكم (1/493)، وهو في صحيح الأدب المفرد(547).
15- أنَّ الله تعالى وعد بإجابة الدعاء فقال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي
عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:
186]، وقال: {أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ
ٱلسُّوء} [النمل: 62]، وقال: {ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].
16- أنه مفتاح أبواب الرحمة، وسبب لرفع البلاء قبل نزوله وبعد نزوله، فعن
ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فُتح
له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئا يُعطى أحب
إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم
عباد الله بالدعاء) - أخرجه الترمذي (3548) وضعفه، وحسنه الألباني في صحيح
الجامع (3409) ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ((لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن
الدعاء ليلقى البلاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة)) - أخرجه الطبراني في
الدعاء (33)، وصححه الحاكم (1/492)، وتعقبه الذهبي بأن في سنده من هو مجمع
على ضعفه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7739).
17- أنه سبب لدفع العذاب، ومانع من موانع العقاب، قال الله تعالى: {وَمَا
كَانَ ٱللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].
18- أنه من أعظم ما يزيد في الإيمان، ويقوي حلاوته في القلب.
19- أنه يرد القضاء، فعن ثوبان مولى رسول الله أنه صلى الله عليه وسلم
قال: ((ولا يرد القدر إلا الدعاء)) - أخرجه أحمد (5/277)، والترمذي في
القدر (2139)، وابن ماجه في المقدمة (90)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع
(7687).
20- أنه دليل على توحيد الله تعالى وإثبات ربوبيته وأسمائه وصفاته، قال
ابن عقيل: "قد ندب الله تعالى إلى الدعاء وفيه معان: الوجود والغنى والسمع
والكرم والرحمة والقدرة، فإن من ليس كذلك لا يدعى" - انظر: الآداب الشرعية
(2/280).
ثانيا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]حكم الدعاء وفائدته
وجوب الدعاء والدليل على ذلك:
قال أهل السنَّة والجماعة: الدعاء واجبٌ، ولا يستجاب منه إلاّ ما وافق
القضاء. فقد أمر الله تعالى به، وحضَّ عليه، فقال سبحانه: {ٱدْعُونِى
أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وقال: {ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا
وَخُفْيَةً} [الأعراف:55]، وقال: {قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى
لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان:77]، والآيات في الباب كثيرةٍ، ولمَّا ذكر
الله تعالى جملةَ ما أمر به ذكر من بين ذلك الدعاء فقال تعالى: {قُلْ
أَمَرَ رَبّي بِٱلْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ
وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}
[الأعراف: 29].
قال الخطابي: "فأما من ذهب إلى إبطال الدعاء، فمذهبه فاسد... ومن أبطل
الدعاء فقد أنكر القرآن ورده، ولا خفاء بفساد قوله، وسقوط مذهبه" - شأن
الدعاء (ص8-9).
قال الشوكاني: "إنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه، ثم قال: {إِنَّ
ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى} [غافر:60]، فأفاد ذلك أن
الدعاء عبادة, وأن ترك دعاء الرب سبحانه استكبار, ولا أقبح من هذا
الاستكبار" - تحفة الذاكرين (ص 28).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من
لم يسأل الله يغضب عليه)) - أخرجه أحمد (2/442)، والترمذي (3373)، وابن
ماجه (3827)، وصححه الحاكم (1/491)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في
صحيح الأدب المفرد (512).
قال المناوي: "لأن تارك السؤال إما قانط وإما متكبر، وكل واحد من الأمرين
موجب الغضب"، ثم نقل عن ابن القيم قوله: "هذا يدل على أن رضاه في مسألته
وطاعته، وإذا رضي الرب تعالى فكل خير في رضاه، كما أن كل بلاء ومصيبة في
غضبه... فهو تعالى يغضب على من لم يسأله، كما أن الآدمي يغضب على من
يسأله" - فيض القدير (3/12).
وقال المباركفوري: "لأن ترك السؤال تكبر واستغناء وهذا لا يجوز للعبد"،
ونقل عن الطيبي قوله: "وذلك لأن الله يحب أن يسأل من فضله، فمن لم يسأل
الله يبغضه, والمبغوض مغضوب عليه لا محالة" - تحفة الأحوذي (9/221).
وقال الشوكاني: "في الحديث دليل على أن الدعاء من العبد لربه من أهم
الواجبات, وأعظم المفروضات؛ لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه"
- تحفة الذاكرين (ص31) بتصرف يسير.
فإن قال قائلٌ: ما فائدة الدعاء وقد سبق القضاء؟
فالجواب: أنَّ الله تعالى شرع الدعاءَ لتكون المعاملة فيه على معنى
الترجِّي والتعلُّق بالطمع، الباعثَين على الطلب، دون اليقين الذي يقع معه
طُمأنينةُ النفس، فيُفضي بصاحبه إلى ترك العمل، والإخلادِ إلى دعةِ
العطلة. فإنَّ الأمرَ الدائرَ بين الظفرِ بالمطلوب،ِ وبين مخافة فوته،
يحرِّك على السعيِ له والدأب فيه، واليقينُ يُسكِّن النفسَ ويريحها، كما
أنَّ اليأس يُبلِّدُها ويطفئُها، والله يريد من العبد أن يكونَ معلَّقا
بين الرجاءِ والخوف اللذَين هما قطبا العبودية، وليستخرج منه بذلك الوظائف
المضروبة عليه، التي هي سمة كل عبد، ونصبة كل مربوب مدبر - انظر: شأن
الدعاء (ص9-10).
قال ابن تيمية: "الناس قد اختلفوا في الدعاء المستعقب لقضاء الحاجات، فزعم
قوم من المبطلين، متفلسفة ومتصوفة، أنه لا فائدة فيه أصلا، فإن المشيئة
الإلهية والأسباب العلوية، إما أن تكون قد اقتضت وجود المطلوب، وحينئذ فلا
حاجة إلى الدعاء، أو لا تكون اقتضته، وحينئذ فلا ينفع الدعاء.
وقال قوم ممن تكلم في العلم: بل الدعاء علامة ودلالة على حصول المطلوب،
وجعلوا ارتباطه بالمطلوب ارتباط الدليل بالمدلول، لا ارتباط السبب
بالمسبب، بمنزلة الخبر الصادق والعلم السابق.
والصواب ما عليه الجمهور من أن الدعاء سبب لحصول الخير المطلوب أو غيره،
كسائر الأسباب المقدرة والمشروعة، وسواء سمي سببا أو جزءا من السبب أو
شرطا، فالمقصود هنا واحد، فإذا أراد الله بعبد خيرا ألهمه دعاءه
والاستعانة به، وجعل استعانته ودعاءه سببا للخير الذي قضاه له" - اقتضاء
الصراط المستقيم (2/705).
وقال ابن القيم: "وفي هذا المقام غلط طائفتان من الناس:
طائفة ظنت أن القدر السابق يجعل الدعاء عديم الفائدة، قالوا: فإن المطلوب
إن كان قد قدر فلا بد من وصوله دعا العبد أو لم يدع، وإن لم يكن قد قدر
فلا سبيل إلى حصوله دعا أو لم يدع. ولما رأوا الكتاب والسنة والآثار قد
تظاهرت بالدعاء وفضله، والحث عليه وطلبه، قالوا: هو عبودية محضة، لا تأثير
له في المطلوب ألبتة، وإنما تعبدنا به الله، وله أن يتعبد عباده بما شاء
كيف شاء.
والطائفة الثانية ظنت أن بنفس الدعاء والطلب ينال المطلوب، وأنه موجب
لحصوله، حتى كأنه سبب مستقل، وربما انضاف إلى ذلك شهودهم أن هذا السبب
منهم وبهم، وأنهم هم الذين فعلوه، وأن نفوسهم هي التي فعلته وأحدثته، وإن
علموا أن الله خالق أفعال العباد وحركاتهم وسكناتهم وإراداتهم، فربما غاب
عنهم شهود كون ذلك بالله ومن الله، لا بهم ولا منهم، وأنه هو الذي حركهم
للدعاء، وقذفه في قلب العبد، وأجراه على لسانه.
فهاتان الطائفتان غالطتان أقبح غلط، وهما محجوبتان عن الله:
فالأولى محجوبة عن رؤية حكمته في الأسباب، ونصبها لإقامة العبودية، وتعلق
الشرع والقدر بها، فحجابها كثيف عن معرفة حكمة الله سبحانه وتعالى في شرعه
وأمره وقدره.
والثانية محجوبة عن رؤية مننه وفضله، وتفرده بالربوبية والتدبير، وأنه ما
شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا حول للعبد ولا قوة له، بل ولا للعالم
أجمع إلا به سبحانه، وأنه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ومشيئته.
وقول الطائفة الأولى: إن المطلوب إن قدر لا بد من حصوله، وإنه إن لم يقدر
فلا مطمع في حصوله، جوابه أن يقال: بقي قسم ثالث لم تذكروه، وهو أنه قدِّر
بسببه، فإن وجد سببه وجد ما رتب عليه، وإن لم يوجد سببه لم يوجد، ومن
أسباب المطلوب الدعاء والطلب اللذان إذا وجدا وجد ما رتب عليهما، كما أن
من أسباب الولد الجماع، ومن أسباب الزرع البذر، ونحو ذلك. وهذا القسم
الثالث هو الحق.
ويقال للطائفة الثانية: لا موجب إلا مشيئة الله تعالى، وليس ههنا سبب
مستقل غيرها، فهو الذي جعل السبب سببا، وهو الذي رتب على السبب حصول
المسبب، ولو شاء لأوجده بغير ذلك السبب، وإذا شاء منع سببية السبب، وقطع
عنه اقتضاء أثره، وإذا شاء أقام له مانعا يمنعه عن اقتضاء أثره مع بقاء
قوته فيه، وإذا شاء رتب عليه ضد مقتضاه وموجبه، فالأسباب طوع مشيئته
سبحانه وقدرته، وتحت تصرفه وتدبيره، يقلبها كيف شاء" مدارج السالكين
(3/108-110).ثالثا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]نوعا الدعاء والعلاقة بينهما
الدعاء الذي حثَّ الله عليه في كتابه، ووعد المخلصين فيه بجزيل ثوابه، نوعان: دعاء المسألة، ودعاء العبادة - انظر: النبوات (ص136).
أما دعاء المسألة فهو: طلب ما ينفع الداعي، وطلب كشف ما يضره ودفعه - انظر: مجموع الفتاوى (15/10)، بدائع الفوائد (3/2).
وأما دعاء العبادة فهو: التقرب إلى الله بجميع
أنواع العبادة، الظاهرة والباطنة، من الأقوال والأعمال، والنيات والتروك،
التي تملأ القلوب بعظمة الله وجلاله - انظر: تصحيح الدعاء (ص17).
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: "كل ما ورد في القرآن من الأمر
بالدعاء, والنهي عن دعاء غير الله, والثناء على الداعين، يتناول دعاء
المسألة ودعاء العبادة, وهذه قاعدة نافعة؛ فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم
من لفظ الدعاء والدعوة دعاءُ المسألة فقط, ولا يظنون دخول جميع العبادات
في الدعاء, وهذا خطأ جرهم إلى ما هو شر منه" - القواعد الحسان (ص154- 155).
العلاقة بين النوعين:
دعاء المسألة ودعاء العبادة متلازمان؛ وذلك من وجهين:
الأول: من جهة الداعي : فإن دعاءه بنوعيه مبني على الخوف والرجاء.
قال ابن تيمية: "وكل سائل راغب وراهب، فهو
عابد للمسؤول، وكل عابد له فهو أيضا راغب وراهب، يرجو رحمته ويخاف عذابه،
فكل عابد سائل، وكل سائل عابد، فأحد الاسمين يتناول الآخر عند تجرده عنه،
ولكن إذا جمع بينهما فإنه يراد بالسائل الذي يطلب جلب المنفعة ودفع المضرة
بصيغ السؤال والطلب، ويراد بالعابد من يطلب ذلك بامتثال الأمر، وإن لم يكن
في ذلك صيغ سؤال. والعابد الذي يريد وجه الله والنظر إليه، هو أيضا راج
خائف راغب راهب، يرغب في حصول مراده، ويرهب من فواته، قال تعالى:
{إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً
وَرَهَبا} [الأنبياء:90]، وقال تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ
ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة:16]، ولا
يتصور أن يخلو داع لله ـ دعاء عبادة أو دعاء مسألة ـ من الرغب والرهب، من
الخوف والطمع" - مجموع الفتاوى (10/239-240).
والثاني: من جهة المدعو: فإنه لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر.
قال ابن القيم: "كل من يملك الضر والنفع، فإنه هو المعبود حقا، والمعبود
لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من
دونه ما لا يملك ضرا ولا نفعا، وذلك كثير في القرآن، كقوله تعالى:
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}
[يونس:18]، وقوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ
يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} [يونس:106]، وقوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ
مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً
وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} [المائدة:76]، وقوله تعالى:
{أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ
يَضُرُّكُمْ * أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ}
[الأنبياء:66]، وقوله تعالى: {وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرٰهِيمَ *
إِذْ قَالَ لأِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ
أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَـٰكِفِين * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ
تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء:69-73]، وقوله
تعالى: {وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ ءالِهَةً لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً
وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً
وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلاَ حَيَـوٰةً وَلاَ نُشُوراً} [الفرقان:3]،
وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ
يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَـٰفِرُ عَلَىٰ رَبّهِ ظَهِيراً} [الفرقان:55]،
فنفى سبحانه عن هؤلاء المعبودين من دونه النفع والضر، القاصر والمتعدي،
فلا يملكونه لأنفسهم ولا لعابديهم، وهذا في القرآن كثير، بيد أن المعبود
لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر، فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة،
ويدعى خوفا ورجاء دعاء العبادة، فعلم أن النوعين متلازمان، فكل دعاء عبادة
مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة" - بدائع
الفوائد (3/2-3).رابعا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]شروط الدعاء وواجباته
لا يكون الدعاء مقبولا عند الله تعالى إلا إذا توفرت فيه وفي الداعي جملة من الشروط، نذكرها فيما يلي:
قال ابن رجب: "هذا منزع من قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، فإن السؤال هو دعاؤه والرغبة إليه، والدعاء هو
العبادة".
وقال: "واعلم أن سؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين, لأن السؤال فيه
إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة
المسؤول على رفع هذا الضر ونيل المطلوب، وجلب المنافع ودرء المضار، ولا
يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة" - جامع العلوم
والحكم (ص180، 181).
وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم
أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل)). قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال:
((يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع
الدعاء)) - رواه مسلم في الذكر والدعاء (2735).
ومعنى يستحسر: ينقطع.
قال ابن حجر: "وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن يلازم الطلب،
ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار"
- الفتح (11/141).
وقال ابن القيم: "ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء أن يتعجل العبد ويستبطئ
الإجابة فيستحسر ويدع الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل
يتعاهده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله" - الجواب الكافي
(ص 10).
أخي : أتدري ما هو هذا الشرط ؟
انه : ( التوبة من المعاصي ) واعلان الرجوع الى الله تعالى .
اخي : ان اكثر اولئك الذي يشكون من عدم اجابة الدعاء افتهم المعاصي فهي خلف كل مصيبة . .
قال عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) : بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والسبيح .
قال بعض السلف : لا تستبطئ الاجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي .
اخي المسلم : ها هي المعاصي قد عمت وتطاير شررها في كل مكان . وقد غفل الغافلون .. وهم في غيهم منهمكون .
ولكن اذا نزلت المصيبة صاروا يجارون بدعاء الله تعالى فما اتعسهم وما اقل نصيبهم من اجابة الدعوات .
قيل لابراهيم بن ادهم ( رحمة الله ) : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا ؟ .
قال : لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه وعرفتم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم
تتبعوا سنته وعرفتم القران فلم تعملوا به واكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها
وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم تهربوا منها وعرفتم الشيطان
فلم تحاربوه ووافقتموه وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ودفنتم الاموات فلم
تعتبروا وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس .
اخي المسلم : فالتوبة …. التوبة ….. ولتنظف طريق الدعاء من الاوساخ .
ليجد دعاؤك طريقه الى الاستجابة … والا كيف ترجو اخي الاجابة اذا كنت ممن يبارز ربه تعالى في ليلك ونهارك ؟
اخي : ان مثل العاصي في دعائه كمثل رجل حارب ملكا من ملوك الدنيا ونابذه
العداوة زمنا طويلا ، وجاءه مرة يطلب إحسانه ومعروفة . فما ظنك أخي بهذا
الرجل ؟ اترك يدرك مطلوبة ؟ كلا فانه لن يدرك مطلوبة الا اذا صفا الود
بينه وبين ذلك الملك .
فذاك اخي مثل العاصي الذي يبيت ويصبح وهو في معصية الله ، ثم اذا وقعت به
شده يرجو من الله ان يجيب دعاءه . فاحذر اخي عاقبة المعاصي … فانك لن
تسعين على إدراك الدعاء المتسجاب بشيء اقوى من ترك المعاصي .. فترك
المعاصي مفتاح لباب الدعاء المتسجاب ..
واعانني الله واياك لطاعته … عصمني واياك من معاصية ومساخطه …
أخي : لقد عم البلاء بأكل الحرام او المشتبه في حله .
فكان ذلك سببا في عدم إجابة دعاء الكثيرين …… فيا غافلين عن أسباب إجابة
الدعاء تنبهوا الى ما يدخل جيوبكم من المال .. وتنبهوا الى ما يدخل بطونكم
من الطعام …..
ولا يقولن أحدكم : دعوت والم ار اجابة للدعاء ! وهو قد ملا يده وبطنه من الحرام !! واتركك أخي مع هذه الوصية النبوية ….
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل الا طيبا وان الله امر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال :
( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا اني بما تعملون عليم )) المؤمنون : 51 ) .
وقال : ( يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم )) البقرة : 172) .
ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث اغبر يمد يديه الى السماء يارب يارب
ومطعمه حرام ! ومشربه حرام ! وملبسه حرام ! وغذي بالحرام ! فأنى يستجاب
لذلك ؟ ! )) رواه مسلم والترمذي ) .
قال سهل بن عبد الله ( رحمة الله ) : من أكل العبد يحبس عن السماوات بسوء المطعم ! .
وقال الإمام ابن رجب ( رحمة الله ) : فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجب لإجابة الدعاء …
أخي المسلم : ولك في سلفك الصالح ـ رضي الله عنهم ـ قدوة صالحة …
فهذا سعد بن أبي وقاص ( رضي الله عنه ) اشتهر بإجابة الدعاء … فكان إذا
دعا ارتفع دعاؤه واخترق الحجب فلا يرجع إلا بتحقيق المطلوب ! .
فكان رضي الله عنه مثالا حيا لمن أراد ان يعرف طريق إجابة الدعاء … وها هو
رضي الله عنه يسأله بعضهم تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ؟
فقال : ما رفعت الى فمي لقمة إلا وأنا عالم من اين مجيئها ؟ ! ومن أين خرجت .
أخي ذاك هو سر استجابة دعاء سعد بن أبى وقاص ـ رضي الله عنه ـ اللقمة الطيبة الحلال
أخي : فلنحاسب نفسك في أكلها وشربها وملبسها من أين هذا ؟ وكيف جاء ؟
فإذا كان حلالا … فكل وأنت معافى .. وادع الله تعالى رازقك …. فأنت يومها القريب من طريق الإجابة ؟ .
قال الشوكاني: "فيه ترغيب من الله لعباده بتحسين ظنونهم، وأنه يعاملهم على
حسبها؛ فمن ظن به خيراً أفاض عليه جزيل خيراته، وأسبل عليه جميع تفضلاته،
ونثر عليه محاسن كراماته وسوابغ عطياته، ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن
الله تعالى له هكذا" - تحفة الذاكرين (ص12).
قال النووي: "واعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب كما سبق بيانه،
والدلائل عليه أكثر من أن تحصر والعلم به أوضح من أن يذكر" - الأذكار
(ص356).
أن يسأل الله تعالى ما لا يليق به من منازل الأنبياء.
أو يتنطع في السؤال بذكر تفاصيل يغني عنها العموم.
أو يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات.
أو يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله
أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو أن يسأله أن
يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدا
من غير زوجة ولا أمة.
أو يرفع صوته بالدعاء، قال ابن جريج: من الاعتداء رفع الصوت بالدعاء.
أو يدعو مع الله تعالى غيره، قال ابن القيم: "أخبر تعالى أنه لا يحب أهل
العدوان، وهم الذين يدعون معه غيره، فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانا".
أو أن يدعو غير متضرع، بل دعاء مدل، كالمستغني بما عنده، المدل على ربه
به، قال ابن القيم: "هذا من أعظم الاعتداء، المنافي لدعاء الضارع الذليل
الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع
خائف فهو معتد" - بدائع الفوائد (3/13).
قال أهل العلم: "لذا يمكن الجزم بأن ترك القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر مانع من موانع إجابة الدعاء، فعلى كل مسلم يرغب بصدق أن يكون
مستجاب الدعوة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب طاقته وجهده"
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لصالح الدرويش (ص 34). 1- الإخلاص فيه فلا يدعو إلا الله سبحانه، فإن الدعاء عبادة من العبادات،
بل هو من أشرف الطاعات وأفضلِ القربات، ولا يقبل الله من ذلك إلا ما كان
خالصا لوجهه الكريم، قال الله تعالى: {وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ
فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً} [الجن:18]، وقال تعالى:
{فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ وَلَوْ كَرِهَ
ٱلْكَـٰفِرُونَ} [غافر: 14]، و عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال له: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن
بالله)) - رواه أحمد (1/293، 307)، والترمذي (2511)، وصححه الألباني في
صحيح الجامع (7957) .
2- الصبر وعدم الاستعجال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب
لي)) - رواه البخاري في الدعوات (6340)، ومسلم في الذكر والدعاء (2735).
3- أخي المسلم : هذا الشرط ركيزة ضرورية في بناء الدعاء المستجاب ، وبدونه يصح الدعاء ضعيفا … واهيا …
4- وعلى الداعي أيضا أن يعلم ان من اسباب اجابة الدعاء : أن يكون الداعي
ممن يحرصون على اللقمة الحلال : فلا يدخل بطنه حراما …. واذا اتصف العبد
بذلك لمس اثر الاجابة في دعائة ووجد اثارا طيبة لذلك …
5- حسن الظن بالله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا
يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)) - أخرجه الترمذي (3479)، والحاكم (1/294)،
وحسنه الألباني في صحيح الجامع (245) ، وعنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:
((يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني)) - رواه
البخاري (7405)، ومسلم (2675).
5- حضور القلب، وتدبر معاني ما يقول، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم: ((واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)).
6- عدم الاعتداء في الدعاء، والاعتداء هو كل سؤال يناقض حكمة الله، أو
يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، قال الله تعالى:
{ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
ٱلْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، فمن ذلك:
7- أن لا يشغله الدعاء عن أمر واجب أو فريضة حاضرة، كإكرام ضيف، أو إغاثة ملهوف، أو نصرة مظلوم، أو صلاة، أو غير ذلك.
8- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال صلى
الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو
ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، فتدعونه فلا يستجاب لكم)) - رواه
الترمذي في الفتن (2169) وحسنه، وأحمد (5/288)، والبغوي في شرح السنة
(4514)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7070).